فلتسقط النصائح - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


فلتسقط النصائح
نضال الشوفي – 06\04\2008

وضع الفنان السوري المبدع، نذير نبعه، عنواناً لأحد معارضه: ( فلتسقط النصائح ) ، فبادرته السؤال عند زيارتي للمعرض: أليس عنوان معرضك هذا هو نصيحة بحد ذاتها؟
قد يبرر هذا الاستشهاد، القول أنه ما من حق أحد وضع نفسه وصياً على الناس يسدي إليهم النصح والمطالب كيفما ترتأي قناعاته الذاتية، بل إن الناس يحسون به ويرونه مثالاً ينظرون إلى رأيه، إن كان هو كذلك بالفعل. بالمقابل فالقسم الأعظم ممن يسدون النصح يعرفون جيداً، أننا كمجتمع تحولنا من تحسس الخطر إلى الشعور بالمجهول، فإحساسنا بالخطر كان واضحاً، ومحدداً بالاحتلال وممارساته المختلفة، والحل ماثل في إنهاء هذا الاحتلال. أما وقد تحولنا للشعور بالمجهول يداهمنا، بشح الضوء في آخر النفق، وما ولد من فراغ واغتراب وسقوط كل المرجعيات العامة، فلا يرى هؤلاء أنفسهم جزء من صناع هذه الحالة، ويصرون على تقديم النصائح القديمة ذاتها.
قبل طي النقاش نهائياً في الفعالية الأخيرة لمجموعة رؤيا الشبابية، رغبت في المشاركة ببضعة ملاحظات، أرى أنها جديرة بالمراعاة في الحوارات القادمة، كما أدعوا كل المعنيين، لاستغلال هذه الفسحة من الهدوء في محاولة وضع رؤيا وأسس للحوار، فالرأي بذاته يمكن أن يتغير مع الزمن، والمعلومة أيضاً يمكن أن تتغير، لكن النقاش القائم على احترام رغبات وأفكار الغير، هو ما يجب أن يكون الثابت الوحيد.
- تنطوي عموم الملاحظات الناقدة للفعالية على وجهان، الأول يطالب المجتمع، مطالبة قسرية، أن يكون على ذات السوية في الوعي والإدراك ، والجدية والتجهم . ويستعير الثاني جرس خطاب الأنظمة ( المطالب بتأجيل البحث في القضايا الاجتماعية حتى الانتهاء من حل قضية فلسطين )، والشاغل الوحيد في حالنا، هو الخلاص من الاحتلال، أما دونه من المشاغل فرفاهية وتبسيط وتشويش على الهم الأساس. يحول هذا المفهوم، حراك حامليه إلى سلاح مسلط ضدهم، حيث تتحول هذه المجموعة من موقع المثل الأعلى، والرافعة الاجتماعية المتوقعة، إلى مجموعة مختلفة عن الكل المتماثل، شاذة في رؤاها، لا تستطيع مواكبة تغيرات العصر. مما يخلق حالة من رد الفعل تجاه سلوكها وأفكارها وفهمها لحالة الصراع الاجتماعي والسياسي.
- يميل الرأي العام على وضع كل من لا يوافق ميوله، في قالب واحد، درج في السنين الأخيرة على نعت هذا القالب بالوطنية، فلسان حاله ( أن أولائك الوطنيين يعارضون كل شيء، ويقفون حجر عثرة في دروب تقدم المجتمع )، حاصراً الوطنية فقط فيمن يخالفونه الرأي، متجاهلاً أن الكثير ممن يعتبرون أنفسهم وطنيون قد يؤيدون هذا النشاط أو ذاك، أو أنهم على أقل تقدير لا يعارضونه ويسعون لمنعه. بالمقابل فإن الرأي العام حين يلجأ إلى هذه الصيغة من القولبة إنما ينفي بذلك عن نفسه صفة الوطنية، ويقرنها بمجموعة محددة من الناس، فهل صحيح أننا مجتمع لا يتمتع بمشاعر الوطنية إن لم يكن بالوعي الوطني.
- في سبيل الدفاع عن فعالية مجموعة رؤيا الأخيرة ( صحن تبوله ) ساق الكثير من المتحمسين حجة المشاركة والتنظيم والعمل الجماعي، وهو أمر جيد بحد ذاته، لكن ذلك يقود لفكرة وضع الأحكام بغير مكانها دون الاستقصاء والمعرفة، والأجدر أن تناقش أمور متعلقة بماهية الفعالية،والدفاع عن ضروراتها الاجتماعية، أو التربوية، أو الترفيهية، أو السياسية. وهنا وجب أن نتساءل مثلاً، هل الأطعمة على اختلافها مركب من مركبات الثقافة لدى شعب ما؟ أو هل كتاب غينيس للأرقام القياسية مسّيس أم لا؟ أو هل سيقوم بتسجيل صحن (التبوله) أم لا؟ وإن فعل فهل سيسجله كذوق إسرائيلي أم عربي أم درزي أم ماذا؟. . . إن المشاركة والترتيب والانضباط أثناء الفعالية لا يؤكد أو ينفي صحة الفكرة، وبالتالي ليس رداً على معارضي هذا النشاط ، ويعكس انطباعاً عاماً يظهر في معظم الحوارات التي تجري، فيه أقطاب تسبح بعكس اتجاه بعضها، وليس محاورين يسعون للوصول إلى نقطة التقاء، وحلول ممكنة. إن ما بات يحدث ليس أكثر من تعصب غير مبرر في الفعل ورد الفعل. وهو ما عودنا الأجيال الشابة على تلقيه، وبتنا نتظاهر بالمفاجئة، كيف تحاول هذه الأجيال نفض أي وصاية عنها، ونرد ذلك تارة لروح هذا العصر، وتارة للاحتلال، متنصلين من مسؤولياتنا، ومصرين على الخطأ.
- تبدو رؤيا للمتلقي بشكل عام، عبارة عن مجموعة من الشباب المتحمسين، يريدون أن ينشطوا ويشاركوا في الحراك الاجتماعي. لكن ما يقومون به يعكس تشوشا في اختيار مجالاً أو هدفاً بذاته يسعون إليه، فمن مجلة إلى صحن تبوله، وهذا ليس كارثياً بحد ذاته، يكفي أنهم يراكمون التجربة، فمن غير المنطقي أن نطالبهم بامتلاك وعي الكبار. ولكن بالمقابل هل من جهة أو مؤسسة، ستدعوهم للقاء ،مقرون باحترام خصوصيتهم واتجاه تفكيرهم، يحاورونهم في هذا اللقاء، ويستشرفون توجهاتهم، ويقدمون لهم المساعدة الممكنة، ويقدمون لهم أيضاً الكثير من النصح القائم على المعرفة والتجربة، شرط أن يتركوا لهم حرية اختيار النصائح التي يرونها أجدى لهم.

عقب على المادة

لا توجد تعقيبات حاليا